العدد ١٤ - تجربة لاستشعار الحياة ببطء

من خلال التصميم المعماري سأحاول أن أفهم قيمة الوقت.

في خريف ٢٠٢٤، تواصلت دينا مع استوديو نامان للبحث في تصميم معسكر خاص وتجربة في أرياف اليابان تهتم بالبناء والتصميم المعماري. 

بقلم دينا هاشم

لطالما لاحظت ربطي للوقت في أمور مختلفة في حياتي. فأنا أقسم مهامي اليومية بناءً على الفترات الثلاث لليوم، وأقيم نفسي بناءً على توقعات وضعتها لعمر معين، مع تغير هذا التقييم بمرور الوقت. اخوض تجارب جديده لتثبيط الوقت خوفا من أن تمرّ الحياة كرمشة عين، وأخشى أن أفوّت لحظاتها الثمينة. أسعى لفهم لغز الوقت: هل أطمح للوصول إلى حالة «الانسياب»، حيث أفقد الإحساس بالوقت في يومي، أم أن رغبتي تكمن في استشعار مروره بوضوح؟

صوت اللحظة

--:--

الهندسة المعمارية في دولة اليابان

بدأتُ دراسة الهندسة المعمارية في عام ٢٠٢١، إيمانًا مني بأن للعمارة والبناء دورًا جوهريًا في حكاية التاريخ، وتشكيل أفعالنا، والعناية بصحتنا بطرق تتجاوز تصوراتنا.

تساءلت يومًا: لماذا نتحمل الوقوف لساعات في طوابير الملاهي بشيء من الرضا، بينما نضيق ذرعًا بالانتظار في غرف المستشفيات، رغم أن المدة الزمنية واحدة!

السبب يعود إلى إحساسنا المتغير بمرور الوقت. فالوقت في حقيقته نسبي، وليس لدينا عضو في أجسادنا يستطيع قراءته أو قياسه بشكل مطلق.

لكن ما العوامل التي تجعل الوقت نسبيًا؟ هذا السؤال كان شغلي الشاغل خلال سنتي الأخيرة في الجامعة. في معسكر «بيت الطين»، كان الهدف الأساسي هو فهم الوقت من خلال العمارة، إلى جانب مراجعة الذات عبر نواميس وأهداف خاصة. فكلما ابتعدنا عن محيطنا المألوف، رأيناه أوضح، على قولتهم: «مزمار الحي لا يطرب».

ومؤخرا لا ارى ما يطربني في طوكيو؛ اعتاد نفس المقهى، نفس الاماكن، لعجزي عن الشعور بالدهشة أو الرغبة في الاستكشاف. لوهلة، ظننت أن الدهشة والفضول مرتبطان فقط بفترة عمرية معينة. وها أنا الآن أودّع تلك المرحلة، وأدخل فترة الاستقرار؛ فترة الاهتمامات المحدودة، والتشبث بآراء محددة وحتى أذواق مألوفة.

«كيفن نيوت»

يعتقد كيفن نيوت أن فهمنا للوقت ينبع من حواسنا الخمس. فكلما انخرطت حواسنا بشكل كامل في تجربة ما، بدا الوقت وكأنه يمتد أطول. على سبيل المثال، قد يبدو معسكر يستمر لأسبوع وكأنه يدوم أطول من عدة أشهر نقضيها في الروتين الوظيفي.

نحن أيضًا نختبر فضاء المكان عبر حواسنا؛ كأن نشعر برائحة بيت دافئ مصنوع من الخشب في الشتاء، أو نلمس طاولة خشبية بملمسها الفريد، أو نمشي حفاة على أرضية المنزل، أو نستمتع بمشهد شروق الشمس وغروبها وهي تعبر الشرفة.

إن تفاعل الحواس مع بعضها في المكان يمنحنا إدراكًا أعمق لمرور الوقت. وهكذا، تمتلك العمارة القدرة على تشكيل إحساسنا بالزمن، عبر العناصر التي تُثري تجاربنا الحسية وتمنح كل لحظة وقعًا مميزًا.

ويتحقق ذلك من خلال ثلاثة عناصر أساسية:

  1. الضوء والظل: من خلال تعاقب الضوء والظل نستطيع استشعار مرور الزمن خلال اليوم، حيث يصبح الإيقاع اليومي مرئيًا.

  2. الانسجام مع الطبيعة: تغير الفصول وألوان الأشجار يتيح لنا الإحساس بمرور الزمن على مدار السنة، مما يعمق اتصالنا بالمحيط الطبيعي.

  3. استخدام المواد الطبيعية في البناء: المواد الطبيعية تشيخ بمرور الوقت ويتغير لونها، تمامًا كما نشيخ نحن. وهكذا يحتفظ المكان بذاكرة الزمن، ويصبح شاهدًا على تاريخنا وقصصنا.

خطة المعسكر

  1. ورشة عمل: بناء «ساونا» من الطين: تجربة تعليمية عملية تهدف إلى استكشاف تقنيات البناء التقليدية باستخدام الطين، مع التركيز على خلق مساحة تأملية تدمج بين العمارة والطبيعة.

  2. استكشاف غابة القراءة: تنتقل دينا إلى نزل «غابة القراءة»، لتبدأ تجربة تجمع بين البساطة والانسجام مع إيقاع الطبيعة، حيث تعيد اكتشاف معنى الوقت عبر تفاصيل الحياة الريفية الهادئة.

النَّواميس

  1. الانقطاع عن مواقع التواصل والموسيقى: الامتناع عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، سماع الموسيقى، أو استخدام السماعات، لتصفية الذهن من المشتتات والعيش في حالة من الهدوء التام.

  2. تقنين المدخلات: الاكتفاء بكتاب واحد فقط [يوميات موراكامي للجري]، لضمان التركيز على محتوى محدد يعزز التجربة دون إغراقها بالمعلومات.

  3. التركيز على التوثيق: تدوين الملاحظات والأفكار يوميًا، لتوثيق التجربة بشكل عميق وتأملي، مما يعزز الاتصال باللحظة.

  4. التحدث باليابانية: الالتزام باستخدام اللغة اليابانية فقط، لتطوير المهارات اللغوية والتواصل بفعالية مع المحيط.

  5. الحركة اليومية: ممارسة أنشطة بدنية منتظمة كجزء من روتين يومي متكامل، لتجديد الطاقة وتعزيز الارتباط بالجسد.

سبب اختياري لهذه النواميس؟

اخترتُ هذه النواميس بهدف منح حواسي الفرصة لاستشعار التجربة بشكل كامل دون أي مشتتات. الهدف هو الإحساس بمرور الوقت عبر التركيز على الحواس، حيث إن الانغماس في الهدوء يمكننا من سماع أدق الأصوات التي قد لا نلتفت إليها عادة، ومع حلول الظلام تتوسع بؤبؤة العين لتلتقط تفاصيل لا نراها في وضوح النهار.

في خريف ٢٠٢٤، تواصلتُ مع «استوديو نامان» لتصميم هذا المعسكر الفريد الذي يدمج العمارة اليابانية مع تجربة عميقة لاستكشاف لغز الوقت. النشرات القادمة ستأخذكم في تفاصيل هذه الرحلة المليئة بالاكتشافات والتجارب التي شكّلت ملامحها، وأثرت في إدراكي للزمن والحياة، في محاولة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي واستعادة الارتباط العميق بالعالم من حولي.

الإنطلاق نحو المعسكر
الإنطلاق نحو المعسكر

فائدة نامان

«التواضع»

  • إخفاء الترؤس: ترك التفوق على الآخرين أو التسلط. 

  • إظهار الخمول: إظهار التواضع وعدم التفاخر بالقدرات أو المواقف . 

  • كراهية التعظيم: الابتعاد عن التعظيم المبالغ فيه أو تقديس الذات. 

  • الزيادة في الإكرام: زيادة الإكرام للآخرين بشكل غير مغالي فيه. 

  • تجنب المباهاة بفعل الحسن: تجنب المباهاة بالصفات الإيجابية التي يملكها الشخص. 

  • تجنب المفاخرة بالجاه والمال: تجنب المفاخرة بالمال أو المكانة الإجتماعية. 


    «موسوعة الأخلاق»

أخبار نامان

نداء للعودة من جديد!

بعد مغامرتنا الأولى هذا العام مع الإبل، نستعد الآن لبداية جديدة ومغامرة مختلفة مع بداية العام القادم. هذه المرة، سيكون برفقتنا «صديق الإنسان القديم» – الحمار.

الرحلة ستأخذنا من صحراء ينبع إلى البحر في أملج، حيث سنسعى لقطع مسافة ١٨٠ كيلومترًا سيرًا على الأقدام في غضون ٨ أيام. 

حاليًا، نحن في مرحلة التحضيرات - من التخطيط للمسار إلى تجهيز المعدات، وصولًا إلى اختيار الحمير الذين سيرافقوننا. بدأنا البحث قبل أسابيع وواجهنا تحديًا أن معظم الحمير مُدربة على المسافات القصيرة، بينما نحتاج إلى رفقاء قادرين على تحمل هذه الرحلة الطويلة. لذلك، ارتحلنا إلى الأحساء، حيث وجدنا حميرًا معروفة بقدرتها على التحمل.

هناك، بدأنا التعرف عليهم واختيار ثلاثة رفقاء للطريق. هذه المرة، لن يكون معنا راعٍ متخصص للاهتمام بهم، بل ستكون المسؤولية بالكامل علينا، فخططنا لإقامة معسكر تدريبي نتعلم فيه كيفية التعامل معهم خلال الرحلة.

متحمسون جدًا لمشاركة تفاصيل أكثر عن هذا المشروع خلال الأيام القادمة.

القط يستشعر الوقت ببطء منتظرًا دينا لتبدأ الطريق...
القط يستشعر الوقت ببطء منتظرًا دينا لتبدأ الطريق...

السفرمعسكرالترحالاليابان
نشرة سنين نامان
نشرة سنين نامان

نروي عبرها القصص التي تُحيط بكل مشروع في استوديو نامان، نشارك اللحظات التي ألهمتنا، والدروس التي تعلمناها. كل مشروع يحمل تجربة فريدة، نتعلم منها وننقلها عبر هذه النشرة لتكون مصدراً للإلهام والتفكر.