العدد ٢٠ -دروس من الريف
كيف يمكننا تربية جيل يتناغم مع الطبيعة؟

بقلم مودة الحميد
صوت الفصل
مسؤولية الأجيال القادمة
قد نكون منغمسين في تحقيق الرفاهية لأنفسنا، وننسى حق الأجيال القادمة في توفير تعليم ينمي أخلاقهم ويحسن طريقة تفكيرهم. هذا ما لمسته عندما زرت المدرسة التي اختارتها السيدة هاماساكي لتعليم ابنها الأصغر، وهي مدرسة مستقلة عبارة عن منزلين بالطراز الياباني التقليدي، يضم حوالي 30 طالبًا من التمهيدي حتى الإعدادي.
تركز المدرسة على أن يخوض الطفل تجربة حسية وحركية باستخدام حواسه الخمسة خلال الوقت الذي يقضيه هناك. فالمنهج يركز على تعزيز الأخلاق، الآداب، والفنون، بدلاً من تلقين الأطفال مواد دراسية كثيرة قد تعيق إبداعهم وتطور تفكيرهم. تُدرس المواد الأساسية مثل الحساب واللغتين اليابانية والإنجليزية، بينما يقضي الأطفال بقية اليوم في اللعب، والموسيقى، والتعلم المفتوح، إضافة إلى التجارب العملية كالزراعة، النجارة، والمشي في الطبيعة، والتعرف على النباتات خلال مواسم السنة. ولا توجد واجبات منزلية، بل يُعتبر المنزل وقتًا ثمينًا للعائلة والأصدقاء والراحة.

التلقين مقابل التعلم
لا يوجد نظام رسمي أو منهج موحد يتم اتباعه، ولا تقسيم للمراحل العمرية، بل يُقسم الطلاب حسب الأعمار: الصفوف الأولية معًا، الصفوف العليا معًا، والإعدادية كذلك. يركز التعليم على عدة مناهج مثل التعليم التعاوني والتعليم بالتجربة. أما المعلمون، فهم من أهالي القرية، حيث يأتي كل معلم في ساعته ويصمم منهجه بحسب استعداد الأطفال ونموهم.
لا يُتوقع من الطفل أن يكون مثاليًا أو مهذبًا طوال الوقت، فمن الطبيعي أن يتخاصم الأطفال فيما بينهم أو يُصدر منهم سلوكيات مزعجة. في هذه الحالات، يكون رد فعل المعلم هو التوجيه بهدوء واحتواء.
عندما طلبت زيارة المدرسة من السيدة هاماساكي، رحب المعلمون والمديرة ترحيبًا حارًا، حتى أن الأطفال طلبوا مني كتابة كلمات باللغة العربية وسألوني عن طعامي المفضل.

مسؤوليتنا تجاه أبنائنا في التعليم
أتأمل في مسؤوليتنا تجاه أبنائنا في التعليم، وما الذي يحتاجه الأجيال القادمة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي ووفرة المعلومات. هل يجب علينا توحيد مصادر المعرفة، أم أن مسؤوليتنا هي تنمية مهاراتهم الأساسية في التفكير النقدي والإبداعي، وتعليمهم مكارم الأخلاق بالنمذجة والممارسة؟ يجب أن نعرضهم لتجارب متنوعة تجعلهم يواجهون أخلاقهم وذواتهم بصدق.
لم نعد نعيش في عالم يتعاون فيه الجميع على تربية وتوجيه أبنائنا كما كان في الماضي، حيث كان الجار وأفراد العائلة الممتدة يشتركون في التربية. يتبادر إلى ذهني سؤال عن ماهية المجتمعات التي نحتاج إليها ليعيش أطفالنا في بيئة طيبة متعاونة ومترابطة.

عودة إلى الأرض
زرت مزرعة مستدامة لإحدى صديقات السيدة هاماساكي، وهي عائلة مكونة من أم يابانية وأب إسباني، مع طفلين. قرروا الانتقال إلى الريف وزراعة أرضهم وفقًا لنظام الزراعة المستدامة. تحكي العائلة بشغف عن التطور البطيء لهذه الأرض، وكيف صمموا نظامًا متكاملاً من حيث تمديد المياه واستفادة من مياه الأمطار. حتى نظام التدفئة مُصمم بطريقة لا تستهلك إلا حطبة واحدة تُدفئ المنزل طوال اليوم. أما نظام الصرف الصحي فيقوم بإعادة التكرير بطريقة لا تحتاج إلى مواد كيميائية. الزراعة تتنوع بين الثمار بحيث تؤثر المحاصيل بعضها ببعض، فزُرعت النباتات العطرية بجانب شجرة البطاطس، وبجانبها الطماطم والعنب، ما يجعل الحصاد مستمرًا طوال العام. كل محصول يزرع بحسب موسمه.
نستمتع بالتجول بين الطبيعة، بينما يلعب طفلها في الوحل ويركض بعفوية، فما كان من والدته إلا أن ابتسمت له وضمته حين عاد إليها، ثم أكملت شرح المكان لنا.


النظافة أمر نسبي
تغيرت عاداتنا بعد جائحة كورونا، وأصبحنا أكثر هوسًا بالمنظفات ومعايير التعقيم. قد يُخيّل إليك أن اليابانيين مهووسون بالنظافة، لكن الواقع مُغاير لذلك، فالريف أكثر استرخاءً فيما يتعلق بالنظافة والتعامل مع الغبار. أتذكر أنني في الليلة الأولى شعرت بنوبة تهيج وعطاس مستمر، فأخذت حبة حساسية لتخفيف الأعراض. ومع الوقت، حاولت التكيف مع الغبار واكتسبته كمناعة.

الاستراحة كنشاط اجتماعي
كنت أستفيد من أوقات الاستراحة لاكتشاف المنطقة المجاورة لمكان عملي. وجدت مقهى أنيقًا وهادئًا يفتح بعد وقت عملي، وصرت أزوره مرتين في الأسبوع. هناك، تعرفت على شباب القرية وزوارها، وتذوقت أصناف رائعة من الحلوى، وتبادلنا بعض الوصفات. كما وجدت محلًا آخر يبيع قطعًا مميزة من الأقمشة والحقائب. من خلال الحوارات، نشأت معرفة بيني وبين صاحبة المحل، حتى أنها ذات يوم قامت بتعديل معطفي بتقصير الأكمام بطريقة خاصة بها رغم أنها لا تقدم هذا النوع من الخدمة في محلها. لكن بركة الحوارات اللطيفة جعلتها تبادر بتقديمها كخدمة.

فزع المدينة؛ وهدوء الريف
كنت في السابق أحمل مشاعر رومانسية عن الريف بسبب نشأتي في مدينة كبيرة. وبعد أن عشت في الريف، أدركت نعمة الهدوء وقسوة الظروف معًا. فهناك جوانب متعبة على المدى الطويل في الرعاية والعناية، لكننا في المدينة نواجه قسوة من نوع آخر. يعود الأمر لاختيارك. لن تعرف البيئة المناسبة لك إلا إذا اختبرتها وعشت فيها. وانتبه، إذا جئت كسائح، ستغيب عنك حقائق كثيرة لن تعرفها.

مفترق الطرق
أقف اليوم في مفترق طرق، أُعيد تقييم أولوياتي في الحياة. أدركت كم أهملنا العائلة والوقت الثمين معهم. بدأت ألاحظ التفاصيل الصغيرة في منزلنا وأحاول تغيير تصميمه حتى يتطور سلوك أفراد العائلة. بدأت بإعادة تصميم المطبخ، وأضفت أصنافًا لذيذة وصحية، وحفزت أخوتي على التعاون في إعداد وجباتنا اليومية معًا. وأتمنى أن تعود مائدة العائلة ومشاركة الطعام والحب والدعاء فيما بيننا.

مابين السطور؛ الدروس والتأملات
يقول الغزالي في كتاب آداب السفر ضمن سلسلة إحياء علوم الدين: «فإن السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب عنه، أو الوصول إلى مطلوب ومرغوب فيه، والسفر سفران؛ سفر بظاهر البدن عن المستقر والوطن إلى الصحارى والفلوات، وسفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السماوات، وأشرف السفرين السفر الباطن».
حين تسافر، تتكشف لك أخلاقك، وتعرف نفسك حين تغترب. نحن نحمل في عاداتنا ما اكتسبناه من الأهل والأصدقاء والمجتمع، ونِعَم أخذناها على محمل الاستحقاق، والتسليم بأنها دائمة لنا. متى ما تيسر للإنسان السفر، فهو في اختبار لصدق قبوله لنفسه. كم توقعت من نفسي أن أواجه أمورًا كثيرة، لكن حين واجهتها، وجدتني في حالة من الضعف أكثر من القوة. لن تعرف قدرتك على التكيف إلا إذا اختبرتها في ظروف أقل مما اعتدت عليه، وهذا ما نحتاج إليه، أن نكسر العُجب بأنفسنا ونُصمت صوت «الاستحقاق».

التأملات المستمرة
في الصمت يتجلى المعنى وتنضج الفكرة؛ تعلمت أن أنصت أكثر مما أتكلم.
أعطِ قبل أن تأخذ؛ تميل النفس إلى المشاركة حين تجد من يشاركها.
في القرية انشغال مستمر لكنه باختيارٍ واعٍ، لن يسرقك الازدحام أو ضوضاء البنايات.
حين تصوم النفس عن ملذاتها، ترتقي الروح وتنفتح لها بركات الله.
في القليل البركة، وفي الكثير إسراف خفي. إلا كثير الصلة بالله فهي سعة ورحمة.
في الشبع خمول وطمع، وفي الجوع تهذيب وشكر.
احذر التجارب؛ قد تكون عبئًا عليك أو هبةً لك
ختامًا، شيء من ملامحك يتغير، شيء ما في نظرك للأشياء يتحول. يمكن لتجاربنا أن تُنسى أو تصبح فكرة مرّت، لذا تبدأ الرحلة الحقيقية بعد أن تنتهي تجاربك، لأنها انعكاس لما تعلمت وانكشاف لصدق إخلاصك لقيمك.
فائدة نامان
«فهم التموضع»
إذا أخبرتك أنّ منتجي هو «بريد إلكتروني»، فستتولّد لديك مجموعة مختلفة تمامًا من الافتراضات عمّا لو صنّفته كـ«دردشة». وعلى الرغم من وجود تداخل كبير في الميزات بينهما، فإننا - بوصفنا مشترين - نتوقّع من البريد الإلكتروني تصفية الرسائل المزعجة، وتمكيننا من تنظيم وتخزين المحادثات، والتكامل مع التقويم. أمّا توقعاتنا من الدردشة فتختلف؛ إذ نتوقّع التسليم الفوري وإمكانية معرفة ما إذا كان شخص ما قد تسلّم رسالتنا أو شاهدها، وغير ذلك.
يمكن لأيّ منتج جديد أن يتموضع في أيٍّ من السوقين، غير أنّ الدردشة الجيدة تكون بريدًا إلكترونيًا سيئًا، والعكس صحيح. إنّ تغيير التموضع قد يغيّر تمامًا طريقة إدراكنا للمنتج، وقد يكون هو الفارق بين النجاح والفشل.
«أبريل دانفورد - التموضع»


نروي عبرها القصص التي تُحيط بكل مشروع في استوديو نامان، نشارك اللحظات التي ألهمتنا، والدروس التي تعلمناها. كل مشروع يحمل تجربة فريدة، نتعلم منها وننقلها عبر هذه النشرة لتكون مصدراً للإلهام والتفكر.