العدد ١٩ - بين بساتين شجر التفاح
أن تعيش كمزارع لمدة 7 أيام
تكمل مودة طريقها نحو مزارع التفاح لتعمل كمزارعة في أرياف اليابان، تتعلم فيها أساليب الحياة البسيطة التي يتصف بها المزارعون بعيدًا عن تكلف المدن الحديثة.
بقلم مودة الحميد
صوت البستان
ودعتني عائلة همساكي في آخر مشوار لي معهم إلى سوق للمزارعين للزراعة العضوية. كان الحصاد متنوعًا بين الأرز، الكمثرى، التفاح، القرع، الفطر، البطاطا الحلوة وغيرها من المنتجات. تسوقت منها لتكون مؤونتي للفصل التالي.
وصلت إلى الجهة الغربية من قرية إزونا حيث مقر إقامتي في المركز الاجتماعي، الذي كان في السابق مدرسة ابتدائية ثم تحول إلى مركز اجتماعي، ضيافة، ونادي رياضي.
بداية فصل جديد
وضعت أغراضي في الفصل الدراسي الذي سيكون مقر إقامتي خلال الأسبوع الأخير من رحلتي للتعلم. مشهد الفصل وهو فارغ كان مدهشًا، تخيلت القصص والدروس التي مرّت هنا. جلست متأملة المكان، وأنا مغمورة بمشاعر الوداع والحكايات التي مررت بها، ومشاعر الاستعداد لذكريات جديدة. حين تعيش تجارب مكثفة في وقت قصير، تميل إلى الصمت والهدوء حتى تستوعب ما مررت به.
اخترت تجربة العمل في مزرعة التفاح لتكون رحلتي الأولى بين الطبيعة، وحماسًا للتعرف على أنواع التفاح التي تمتاز بها قرية إزونا التي تحتوي على أكثر من عشرين نوعًا من التفاح. لم أكن أعرف ما الذي سيقابلني في هذه الرحلة.
الطبيعة والمزارع؛ عملة لوجه واحد
يكفي لمطر غزير أن يعيق العمل في الأرض، لذا كان اليوم الأول ماطرًا. قرر زوج السيدة منابي أن يأخذني في جولة حول بساتين عائلته، ثم اصطحبني إلى البحيرة التي تعلو الجبل، حيث شاهدنا ألوان الخريف على الأشجار المحيطة بالبحيرة. عدت إلى مقر إقامتي أستريح قليلاً، واغتنمت الفرصة لاكتشاف هذه الضفة من القرية. ما يميزها هو ارتفاع المنطقة عن الجهة الشرقية، حيث ترى القرية على امتداد بصرك، وتحفها جبال شاهقة ممتدة، تأخذ نفسًا عميقًا من جمال المشهد، وتسبح الله من هيبتها.
الطبيعة كمجالس للذكر
كان العمل في هذا الأسبوع يتركز على إزالة الأوراق المحيطة بثمار التفاح، حتى تتعرض لضوء الشمس وتكتمل نضوجها استعدادًا للقطف بعد أسبوعين. رغم بساطة الفعل، إلا أن الوقوف الطويل والمستمر كان يسبب آلامًا في الظهر والكتف مع نهاية اليوم.
وفي قمة انسجامي وأنا على السلم أدغدغ التفاحات، ألتفت لوهلة وأدهش من المنظر. لم أشعر إلا بالتسبيح والتهليل على لساني. تأملت الطبيعة كمجالس للذكر، كتبت حينها لصديقتي رفاه، ثم ردت عليّ:
«سبحان الله، البستان والطبيعة بشكل عام هي مجالس ذكر. لأن الطبيعة في ذكر دائم: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم. فكل شيء في الطبيعة من شجر وحجر وجبال يسبحون الله في كل وقت. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يغفل. فلمن تدخلي الطبيعة، أنتِ في مجلس ذكر».
شجرة مباركة؛ شاهدة على الأجيال
يتم تقسيم العمل في البستان بساعات تتخللها أوقات للاستراحة. نبدأ في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، ثم نأخذ استراحة شاي نصف ساعة في الساعة العاشرة. ينادينا الوالد المزارع: «استراحة شاي، استراحة قهوة»، حاملاً معه سلة الشاي والقهوة وسلة المعجنات والفواكه.
كان الوالد المزارع هو من يقوم بأعمال الزراعة والعناية كلها، ولكن حادثًا أعاقه عن العمل الثقيل، لذا تفرغ ابنه للعمل بدلاً عنه وهو يقوم بالأعمال الصغيرة. في أوقات الاستراحة، تدور حوارات عميقة بكلمات قليلة حول موضوعات مختلفة، ويخبروني حينها عن أحوال أشجار التفاح ومراحلها. تملك العائلة عدة بساتين متوزعة يزيد عددها عن المائة شجرة، وبعضها يتجاوز عمره الخمسين عامًا، زرعها جد والدهم.
بعدها نعود للعمل حتى الساعة الثانية عشر، ثم نأخذ استراحة الغداء. أتناول الغداء الذي قمت بتحضيره في اليوم السابق وأصلي الظهر والعصر جمعًا في البستان. نعود بعدها للعمل حتى الساعة الثالثة، ثم نأخذ استراحة شاي قصيرة، بعدها نعود للعمل حتى الرابعة عصرًا.
كل يوم يبدأ بطقس وينتهي بطقس آخر. أشعر بالانشراح والحضور القلبي وبذكر الله على لساني. مررت خلال هذا الوقت القصير بتحول روحي، سألْتُ الله أن يبارك فيها ويجعلني في ذكر دائم.
فائدة نامان
«ماهو الذوق؟»
دائمًا ما نقرر أن شخصًا ما لديه ذوق بينما آخر لا يملك ذلك. لكن في الأساس، ما هو الذوق وكيف نعرفه؟ في المدرسة، يُعلموننا كل شيء ما عدا أمرين:
الذوق
الترتيب والتنسيق (داندوري)
الذوق ليس مجرد رد فعل يطلقه المتلقي سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. تعريفي الخاص للذوق هو: القدرة على خلق تناسق وانسجام بين التجارب والمعرفة المتراكمة. والخلاصة في ذلك أن الذوق قابل للتطوير وليس مقتصرًا على الحظ أو الصدفة.
«ميزونو قاكو - التنسيق والترتيب المهم، الذي لايعلمونا إياه»
نروي عبرها القصص التي تُحيط بكل مشروع في استوديو نامان، نشارك اللحظات التي ألهمتنا، والدروس التي تعلمناها. كل مشروع يحمل تجربة فريدة، نتعلم منها وننقلها عبر هذه النشرة لتكون مصدراً للإلهام والتفكر.