العدد ١٣ - طريق الرحيل
تنطلق رحلة حسين فؤاد إلى أوزباكستان، للبحث عن إمكانية الموازنة بين العمل، العبادة، والصحة؛ أهي خيال؟ أم واقع نستطيع السعي إليه؟
يأتيكم هذا العدد في سنين نامان من أحد المشتركين معنا في معسكر نامان «حسين فؤاد»، الذي قضى هذا المعسكر في أرياف سمرقند خلال العشر الأواخر من رمضان ١٤٤٥.
بقلم حسين فؤاد
بدأ الطريق برحلة مبكرة من الدمام إلى أبوظبي، وكانت القواعد للمعسكر واضحة ومُلزمة منذ البداية في باب « النواميس».
النواميس
أن تُترك جميع الأجهزة الذكية في الدمام، ويتم استخدام هاتف بسيط «أبو كشاف» للطوارئ والاتصال بالأهل، مع كاميرا ومسجل للتوثيق.
أن نلزم الصيام عن الطعام والكلام، مع السماح بالكلام فقط عند نهاية اليوم خلال جلسة الهنساي كاي «لقاء المحاسبة» . خلال هذه الجلسة، نتشارك تفاصيل يومنا وتأملاتنا مع تجنب الأحاديث السطحية والتفاهات.
أن نقطع الكافيين، حتى بعد الإفطار بهدف تعزيز القدرة على الاسترخاء وتحقيق نوم عميق ومريح.
صوت الرحيل
الميدان ينتظرك
استقبلنا في مطار سمرقند بترحيب حار وابتسامة تعكس كرم ضيافته السيد «الخوم»، رجل طيب يعيش في قرية ترساك برفقة عائلته ويعمل في مجال استضافة الزوار. بعد ذلك، انطلقنا في رحلتنا نحو الميدان، متجهين إلى قرية تيرساك-٤ /أورجت.خلال الطريق، توقفنا للتسوق من السوق المحلي لشراء احتياجاتنا الغذائية التي ستكفينا لمدة أسبوعين.
ضمّت مشترياتنا مجموعة متنوعة من الخضروات، البقوليات، واللحوم. كانت تجربة التسوق ممتعة ومليئة بالتحديات غير المعتادة، حيث كنا نتأكد من قائمة الطعام ونحسب التكاليف بدقة باستخدام الآلة الحاسبة. لفتنا انتباه السكان المحليين، الذين شعروا بأننا أكثر من مجرد سياح عابرين، فانخرطنا في أحاديث تلقائية مليئة بالفضول والود.
اتفقنا مع الخوم على الإقامة في منزل والديه الذي ترك مهجورًا بعد وفاتهم، بدلًا من النزل الذي يستضيف فيه الزوار عادةً. كان المنزل تقليديًا، مبنيًا من الطين، ويقع بجوار نهر؛ تساءلنا إن كنا سنتكيف حقًا مع بساطته وبدائيته؟
بعد فترة قصيرة من الراحة، نظمنا المنزل ووزعنا المساحات إلى زوايا للعبادة، الطعام، المعرفة، والاستخدامات الشخصية، مما سيسهل علينا إدارة مهامنا اليومية خلال وقت المعسكر.
كان أول تحدٍّ لنا هو الصعود ركضًا إلى قمة الجبل القريب. رغم صعوبة المسار، كافأنا الجبل بمنظر خلاب أخذ أنفاسنا وجعل كل الجهد يستحق العناء.
قضاء الوقت وتنظيم الأنشطة
تصميم الوقت والالتزام به من أهم ركائز المعسكر ،فكان النمط العام للأيام يشمل:
العبادة: أداء الصلوات والسنن وقراءة القرآن.
الصيانة: العناية بالنظافة الشخصية والجسد.
المعرفة: القراءة والنقاشات المفيدة.
الحركة: ممارسة التمارين اليومية كالجري وصعود الجبال.
الغذاء: إعداد وجبات صحية خالية من الزيوت المهدرجة والسكريات المكررة.
التعبير: تدوين الملاحظات والتحدث فقط في أوقات محددة.
التوثيق: تسجيل اليوميات بالكتابة والتصوير.
العمل: المشاركة في تنظيف المنزل وتحضير الطعام.
اللعب والعقل: لعب الشطرنج.
باب الغذاء
كانت تجربة إعداد الطعام في المعسكر وسط الطبيعة ملهمة ومليئة بالتحديات، حيث اعتمدنا على بساطة الموارد وإبداعنا في تحضير الوجبات. بدأ كل يوم بوجبات سحور بسيطة مثل البيض المسلوق، التمر، والماء، مما وفر طاقة أساسية لبدء النهار بنشاط.
أما تحضير الإفطار، فقد كان طقسًا يوميًا تطلّب تركيزًا وابتكارًا. كان العمل الجماعي عنصرًا أساسيًا، بدءًا من تقطيع الخضروات والفواكه وحتى إشعال النار باستخدام الحطب. كان الحفاظ على اشتعال النار يتطلب صبرًا وانتباهًا لضمان بقاء اللهب مستمرًا طوال عملية الطهي.
تغلبنا على هذه التحديات بتطوير مهارات جديدة، سواء في تخطيط الوجبات أو في تحسين طرق الطهي تحت ظروف غير مثالية. في النهاية، كانت كل وجبة ليس فقط مصدرًا للغذاء بل أيضًا تجربة تُعلمنا الصبر والتكيف، وتترك لنا ذكرى لا تُنسى تتناغم مع أجواء الطبيعة البكر.
باب الحركة
الحركة كانت جزءًا من يومياتنا، حيث بدأنا كل صباح بمسيرة نصف ساعة، تلتها تمارين المرونة وتمارين البطن. الجري في القرية وبين الجبال كان تحديًا لا ينسى، زادت مدته تدريجيًا مع الأيام من 30 إلى 40 دقيقة. التمارين البدنية اعتمدت على الطبيعة، كالتعلق بأغصان الأشجار وحمل الأحجار.
باب الصيانة
النظافة اليومية كانت أساسية، باستخدام معجون طبيعي من قشر الباذنجان وصابون عضوي. تجربة الاغتسال في السرداب بالماء البارد، رغم صعوبتها، أضافت لمسة فريدة، إلى جانب بناء مروش خارجي بين الأشجار، الذي لم يكتمل بسبب الرياح والطقس الماطر.
باب العلاقات
التعرف على أهالي القرية مثل «ألخوم» و «خُن مراد» كان جزءًا لا ينسى. كان الدعم المتبادل والتعاون بيننا وبين أهل القرية بارزًا في مواقف مثل إشعال النار أو الحصول على الحليب الطازج. زيارات المسجد وتبادل الأحاديث بالإشارة مع الجيران مثل «خُن مراد» كنا نلتقيه عند العودة من المسجد، ونرافقه إما سيرًا على الأقدام أو راكبين دراجته النارية ودائما كنا نتبادل الأحاديث بالإشارة لحاجز اللغة بيننا. هذه العلاقات التي بنيت خلال المعسكر لم تكن مجرد لقاءات عابرة، بل عمقت فهمنا لمعاني الكرم والبساطة والتعاون، وجعلتنا نقدر الروابط الإنسانية التي يتسم بها مجتمع أوزبكستان.
اليوم الثالث عشر، أعظم أيام الرحلة!
بدأناه بالسحور المعتاد، المكون من بيضتين، ماء، وسلطة من اليوم السابق. بعد أداء صلاة الفجر، عدنا للنوم حتى الساعة 9:40 صباحًا، ثم شرعنا في ترتيب زوايانا وتنظيف وجوهنا. بعد ذلك، خرجنا للمشي الصباحي متوجهين إلى بقالة القرية لشراء الماء تحسبًا لأي طارئ أثناء الصعود.
عند عودتنا، أتممنا مهامنا اليومية من التدوين والقراءة، وأدينا صلاة الظهر، ثم بدأنا في تجهيز حقيبة صعود الجبل. تضمنت الحقيبة الإسعافات الأولية، جاكيت إضافيًا، المذكرات اليومية، وكيس المطر.
انطلقنا الساعة الثانية ظهرًا، سالكين طريقًا جديدًا لم نجربه من قبل. كان الصعود مرهقًا، لكن المشاهد كانت مذهلة، خاصة الصقور التي تحلق فوقنا. اعتمدنا في تسلق الجبل أسلوبًا يركز على تحديد هدف صغير كالشجرات أو الصخور، والاستراحة خمس دقائق عند بلوغها.
واصلنا حتى بلغنا القمة المسطحة، التي منحتنا منظرًا خلابًا لجبال الجنوب المغطاة بالثلوج في طاجيكستان، والجبال الخضراء في الشمال حيث تقع قرية تيرساك. بعد التأمل لبعض الوقت، أكملنا المسير نحو القمة الغربية للجبل، حيث شاهدنا ثعالب برية وحشرات لم نألفها من قبل.
في طريق العودة، مررنا بقطيع من الأغنام والماعز يرعاه فتى صغير يُدعى جعفر، الذي أرشدنا بثقة إلى مسار مريح للنزول رغم صغر سنه، مما أثار إعجابنا بمعرفته الدقيقة بالمكان.
عندما عدنا إلى القرية، استقبلنا الخوم بترحيب حار، وأخذنا الحليب الطازج من الأبقار.
الخاتمة
انتهت أيام المعسكر ونحن نحمل في قلوبنا ذكريات وتجارب لا تُنسى. تعلمنا كيف نستمتع باللحظات البسيطة ونستخلص منها قيمة حقيقية. عشنا كل ثانية ببطء وتأمل، بعيدًا عن ضوضاء الحياة المعاصرة وضغوطها، مما أتاح لنا فرصة التواصل العميق مع الطبيعة ومع أنفسنا.
هذه التجربة الشاملة لم تكن مجرد رحلة للابتعاد عن حياة المدينة، بل كانت فرصة لاكتشاف الذات وتعلم قيم الصبر، والتعاون، وتقدير التفاصيل الصغيرة، لتظل محفورة في الذاكرة كدرس في الحياة الطبيعية الغنية.
فائدة نامان
«لماذا نهتم؟»
لكي تصنع فلمًا رائعًا، أولًا يجب عليك أن تجعلنا كمشاهدين نهتم بما تهتم به شخصيات الفلم، فكل ما كان هذا الإرتباط واضحًا أصبحت قضية الفلم مهمة لدينا كمشاهدين. فيجب التساؤل في البداية عند إختيار الشخصيات الرئيسية وما تضعه بالفلم من عدمة؛ لماذا تهتم هذه الشخصيات بهذا الأمر بشده؟ ما هو الدافع خلف ذلك؟ فإذا وجدت الحل وصرت أنت تهتم، سيتبع المشاهدين هذه الأفكار وسيهتم كما لو كان هو صاحب الشأن.
روس كوفمان - ورشة أدوات مخرج الوثائقيات
نروي عبرها القصص التي تُحيط بكل مشروع في استوديو نامان، نشارك اللحظات التي ألهمتنا، والدروس التي تعلمناها. كل مشروع يحمل تجربة فريدة، نتعلم منها وننقلها عبر هذه النشرة لتكون مصدراً للإلهام والتفكر.